آخر الأخبار

الاثنين، 6 نوفمبر 2017

ضربة أخرى من فيسبوك للناشرين وأصحاب المدونات … لاوصول على الإطلاق!



على مدى العامين أو الثلاثة أعوام الماضية زاد التركيز بصورة كبيرة على كيف أنّ وجود ونمو موقع مثل فيسبوك قد شكل العالم من حولنا. من الولايات المتحدة إلى الهند، والاتهام بشكل صريح بأنّ منصة الفيسبوك أصبحت تُستخدم بشكل كبير لنشر الأخبار الوهمية والكاذبة، وإمالة كفة التوازن بشكل كبير لصالح بعض السياسيين في الانتخابات الحاسمة. هذا الأمر أوجد للشبكة دليل حي على السلطة التي يتمتع بها الآن في العصر الرقمي.
هذا الانتشار الكبير للشبكة الزرقاء على مستوى العالم جلب لها الكثير من الانتقادات والهجمات من مراقبي وسائل الإعلام الاجتماعي، والناشطين المطالبين بالحد – ولو قليلًا – من القدرات التي أصبحت تنمو بشكل رهيب في أركانها بخلق بعض الذعر والخوف عند حدوث الكوارث الطبيعية أو الهجمات الإرهابية، وأصبح الكثيرون لا يفرقون بين ما هو حقيقي وما هو زائف في تغذية الأخبار الرئيسية التي تظهر على حساباتهم بمجرد حدوث أمر ما على سطح الكرة الأرضية.

الانتخابات الأمريكية أطلعتنا على حجم وتأثير الشبكة الزرقاء على حياتنا

منذ تأسيسه كان مستخدمو فيسبوك مبهورين بهذا الموقع الفريد والعجيب الذي غيّر بعض طرق التواصل بينهم للأبد، وأصبح دوره على الإنترنت يتزايد بصورة كبيرة يومًا بعد يوم في تواصل الناس ببعضهم البعض، ولم يتلفت الكثيرون إلى ما هي ذاهبة إليه هذه الشبكة في تشكيل وإعادة خريطة الكثير من الأمور التي ربما لم يتخيلها حتى مؤسسها عند تأسيسه للموقع.
بما أنّ هدفه الأول من إنشاء الموقع كان هو تسهيل التواصل، والاتصال بين الأفراد والأصدقاء حتى الانتخابات الأمريكية الرئاسية السابقة التي ظهرت بها الشبكة بأنّها أكبر بكثير من مجرد موقع للتواصل والاتصال بين الأصدقاء.
معركة ضارية وأخبار كثيرة نُشرت تقدر بملايين العناوين الصحيحة والكاذبة، وشائعات لا حصر لها رافقت الانتخابات الأمريكية على شبكة الإنترنت، وفاز من فاز وخسر من خسر، ولكن التداعيات والتصريحات والتلميحات التي حصلت بعد انتهاء معركة الانتخابات الرئاسية أشارت بصورة صريحة لبعض المواقع الكُبرى، ومن ضمنها موقع فيسبوك بالتأثير بشكل كبير على مسار الانتخابات الأمريكية، وأصبح مارك زوكربيرج في مرمى النيران بشكل مباشر باتهام شبكته في التأثير على الناخبين لصالح مرشح معين.
وللتذكير فقط فإنّ العام 2015، عام اشتداد حملات المرشحين بشكل أكثر ضراوة نحو كرسي الرئاسة،تجاوزت منصة فيسبوك – لأول مرة – محرك بحث جوجل كأكبر مصدر لحركة المرور في وسائل الإعلام بنسبة 43% لصالحها مقابل 38% لصالح جوجل.
وشملت الدراسة أكثر من 400 موقع نشر ووسيلة إعلام على الإنترنت، بما في ذلك الناشرين التقليديين مثل: Wired, The Atlantic, Reuters and The Daily Telegraph، فضلًا عن مجموعة كبيرة من المواقع الرقمية مثل: Mashable, The Next Web, and Business Insider.
وبشكل جماعي مثلت الشبكة وحدها – عند إجراء الدراسة – حوالي 6 مليارات مشاهدة للصفحة الواحدة، وأكثر من مليار زائر فريد شهريًا.



بكل تأكيد الانتخابات الأمريكية ربما قد أطلقت الشرارة الأولى – لشهرتها وحجم المتابعة العالية التي تجدها على الإنترنت بشكل خاص – وبالتالي ومع الاتهامات الصريحة والخفية في دور الشبكة بنشر الأخبار الكاذبة والتي ليست متعلقة فقط بالانتخابات، بل بجميع الأمور التي تحدث على سطح الكرة الأرضية نظرًا لشعبيتها العالية، وحجم المستخدمين الكبير الذين أصبحوا يستقون أخبارهم بصورة أساسية من الشبكة.

ما هو رد فيسبوك على هذه الاتهامات؟!

بدأت التجربة التي بدأت في 19 أكتوبر من الشهر الماضي – ومازالت – في دول سريلانكا وغواتيمالا وبوليفيا وكمبوديا وصربيا وسلوفاكيا، من خلال الحد من تغذية الأخبار لعرض فقط المشاركات والتحديثات الشخصية من الأصدقاء، والمشاركات المدفوعة في التغذية الرئيسية News Feed للمستخدم، في حين يتم تحويل ونقل المشاركات التي تتم مشاركتها بواسطة الصفحات مثل: مشاركات دور النشر إلى خلاصة تغذية أخبار ثانوية، أو قسم موسع يُسمى استكشاف الخلاصة Explore Feed.
هذه الميزة تعتبر آخر الميزات التي يتم إضافتها للشبكة للتقليل من انتشار الأخبار والمعلومات المزيفة على المنصة، وكان قد سبقتها عدة ميزات مثل: إعادة تصميم قسم المواضيع الرائجة لدمج المواضيع التي تجد شعبيةً كبيرةً في قسم واحد، بالإضافة إلى اختبار ميزة جلب معلومات أكثر تفصيلًا عن الناشرين.
هذه الخطوة الجديدة وما سبقتها تبدو وكأنّها محاولة جادة للحد من انتشار الأخبار والمعلومات الزائفة على المنصة، ولكن هل هذا ما تهدف إليه فيسبوك في الحقيقة؟!
حسنًا قبل أن نُجيب على هذه السؤال، دعونا نلقي نظرةً على آثاره المباشرة على الناشرين وأصحاب المواقع والمدونات التي تعتمد على الفيسبوك بشكل رئيسي لزيارة المستخدمين لمواقعهم، ومدوناتهم من خلال الإحالات من الشبكة الاجتماعية الشهيرة.

مواقع النشر على الإنترنت ضُربت في مقتل

بما أنّ هذه الميزة – حتى الآن – تمت تجربتها في الدول الست سابقة الذكر، فإنّ الآثار الفورية التي ظهرت كانت مدمرةً وكارثيةً للحد البعيد في الدول المعنية، فقد تم إزالة بعض مواقع النشر بين عشية وضحاها من حركة المرور على الإنترنت.
وقالت Dina Fernandez الصحفية في موقع Soy502 في غواتيمالا عن كيفية تدمير هذه الخطوة لحركة المرور على الموقع: “لقد قتلت علامة التبويب استكشاف الفيسبوك Facebook explore ما نسبته 66% من حركة المرور لدينا، دمرت سنوات من العمل الشاق، لقد كان كارثيًا، وأنا قلقة جدًا جدًا”.
وامتد هذا الأمر أيضًا لدولة سلوفاكيا، وبحسب موقع التحليلات CrowdTangle أظهرت الإحصائيات أنّ تفاعل المستخدمين مع المواقع المحلية قد انخفض بنسبة 60% في ليلة واحدة، في مجموعة كبيرة من المواقع في البلاد.

المدونون ومواقع النشر الصُغرى في خطر

أكثر الفئات تضررًا من هذه الخطوة هم المدونون والمواقع الصغرى التي تعتمد على الفيسبوك بشكل رئيسي في جلب الزوار؛ للاستفادة من حركة المرور في مواقعها وبالتالي مزيد من أموال الإعلانات للاستمرار في نشر محتواها، ولا يستطيعون في نفس الوقت دفع المال للترويج لمنشوراتهم على المنصة، وسوف تضطر في نهاية الأمر للتوقف عن العمل أو اختلاق وسيلة أخرى لجلب الزوار وعدم الاعتماد على الفيسبوك كوسيلة أساسية للربح وجلب الزوار.

الضرر ليس على من يبحث عن المال فقط!

على مر السنين تحول الفيسبوك من مجرد منصة تواصل إلى منصة مفضلة وسهلة لمبادرات المواطنين والمنظمات غير الحكومية الصغيرة التي تبحث عن التواصل مع أكبر قدر ممكن من جمهور الإنترنت لإرسال رسائلها وتشكيل رأي عام حولها، وقد نجحت الكثير من هذه المبادرات عن طريق الفيسبوك وقامت ثورات شعبية بسبب ما ينشر فيها، والآن مع هذه الميزة الجديدة ربما سيعاني هولاء لإيصال صوتهم للجميع؛ لأن المستخدم في الأساس سيتفاعل مع ما يظهر أمامه في التغذية الرئيسية من مشاركات الأصدقاء والعائلة، ولن يكون له شغف كبير لمتابعة ما يجري في تغذية الأخبار الثانوية من الصفحات الأخرى.

هل هي وسيلة للحد من الأخبار الكاذبة أم الاستماع للمستخدم بالفعل؟

وفي ردها حول المخاوف التي بدأت بالظهور على هذه الميزة، قال Adam Mosseri رئيس قسم تغذية الأخبار في الفيسبوك: “بأنّ الهدف من هذا الاختبار هو معرفة ما إذا كان الناس يفضلون أن يكون لهم أماكن منفصلة للمحتوى الشخصي والعام، وسوف نستمع إلى ما يقوله الناس عن التجربة لفهم ما إذا كانت الفكرة تستحق المواصلة إلى ما هو أبعد من ذلك، كما أنّه لا توجد خطة حالية لفرض هذه التجربة خارج هذه البلدان اختبار أو إجبار الصفحات ضمن فيسبوك على دفع ثمن ظهورها ضمن تغذية الأخبار الرئيسية، أو ضمن قسم استكشاف تغذية الأخبار”.
رد  – دبلوماسي –  على قدر كبير من الحذر، ولكن الفيسبوك لديها تجارب سابقة في إضافة المميزات على شبكتها بالتركيز على الدول الأصغر حجمًا أو تأثيرًا، ومن ثم تُعميمها على سائر مستخدميها في العالم، فهي مثلًا عندما أرادات إدراج ميزة القصص Stories أطلقتها أولًا في إيرلندا، وعندما أرادت تجربة تطبيق كاميراتها Camera app فعلتها في البرازيل، وعندما أرادت تجربة خدمة الإعلانات في إنستجرام أطلقتها أولًا في أستراليا.
وإطلاق الميزة الجديدة الخاصة بتغذية الأخبار الثانوية في سائر أنحاء العالم ليس استثناءً بالتأكيد، وهي مسألة زمن فقط قبل أن نراها حقيقةً واقعيةً على المنصة بجميع اللغات.

إذًا ما هو الهدف الحقيقي لهذه الميزة؟!

الإجابة بكل بساطة هي أموال الإعلانات! فبعد الاتهامات التي طالت المنصة ودورها في نشر الأخبار الكاذبة والمزيفة، لم تجتهد الشركة كثيرًا في حل هذه المشكلة من خلال توظيف فرق، وابتكار آليات برمجية من شأنها الحد من هذه الظاهرة، بل سلكت أسهل الطرق وأقصرها من خلال إخفاء المشاركات من الصفحات في خلاصة ثانوية قد لا تهم المستخدم كثيرًا.
فالطريق السهل لتنأى بنفسها عن المشاكل والانتقادات هو إرسال المحتوى غير المدفوع والأخبار الهامة والفيروسية لقسم آخر يصعب الوصول إليها، أو احتمالية استكشافها بالنسبة للمستخدم لا تمثل أولوية له عند تصفحه للمنصة.
فمثلًا هذا التغيير لن يؤثر على المشاركات والعروض الترويجية المدفوعة الثمن، وستظهر في تغذية الأخبار News Feed بشكل طبيعي، وكذلك المشاركات من شخص يتم متابعته  followed أو صديق على الموقع، ولكن التغيير يؤثر على ما يسمى بالمحتوى “الأصلي Native” مثل: مقاطع فيديو فيسبوك “Facebook Videos” إذا تم نشرها بواسطة صفحة، ولم تتم مشاركتها من خلال الترويج المدفوع.
لا دُخان بلا نار، وبالرغم من تأكيد المتحدث باسم فيسبوك بأنّ هذه الميزة لا خُطط لها في الانتشار على مستوى العالم، إلّا أنّ المنطق يخبرنا بأنّها قادمة لا محالة وبكل اللغات، حتى وإن نفت فيسبوك هذا الأمر، وربما هذا التغيير قد يبدو وسيلةً فعالةً لتخليص صفحتنا الرئيسية من بعض المحتوى الغير جاد أو محتوى لا يهمنا كثيرًا، إلّا أنّه قد يكون ضربةً قاتلةً للناشرين وأصحاب المدونات في المستقبل.
ومع أنّ أي مشروع على الإنترنت يضع في أولوياته إنشاء صفحة على منصّات التواصل الاجتماعي – وفيسبوك أشهرها بالطبع – كخطوة أولى للوصول لجمهوره المستهدف، فإنّ التفكير منذ الآن في ابتكار آليات ووسائل جديدة للوصول للجمهور يجب أن يكون أولويةً قصوى، إلّا إذا كانت هنالك خطط مسبقة للدفع وترويج المنشورات، ففي هذه الحالة فقط أضمن لك أنّك مرحب بك في موقع الفيسبوك وبكل اللغات، وستجد كل الرعاية والاهتمام اللازمين.